الأربعاء، 30 مارس 2016
11:33 م

خطة معركة ميدواي



معركة ميدواي  تعتبر من أهم المعارك البحرية في حملة المحيط الهادي في الحرب العالمية الثانية  بعد ستة أشهر من وقوع الهجوم اليابني على بيرل هاربور وبعد مرور شهر واحد فقط على معركة بحر الكورال وتحديداً بين الرابع والسابع من شهر يونيو عام 1942, تمكنت القوات البحرية الأمريكية بشكلٍ حاسم من صد هجوم قوات البحرية الإمبراطورية اليابانية على جزيرة ميداوي مما ألحق الضرر بالأسطول الياباني.

كان مقصد العمليات اليابانية، كالهجمة على ميناء بيرل هاربر، هو سحق الولايات المتحدة كقوة استراتيجية في المحيط الهادئ، لإعطاء اليابان الحرية لكي تؤسس مجالاً مشتركاً أكبر في شرق آسيا. أمل اليابانيون بأن تُمنى الولايات المتحدة بهزيمة أخرى محبطة فتُرغمهم على الاستسلام في حرب المحيط الهادئ.

كانت خطة اليابانيين أن يغروا الطائرات الأمريكية بسحبهم إلى الفخ. اليابانيين أيضا كانو يهدفون إلى احتلال جزيرة ميداوي كجزء من الخطة الشاملة لتمديد دفاعهم رداً على غارة دوليتل. كما أعتبرت هذه العملية التمهيدية هجوم إضافي ضد فيجي وساموا.

أعيقت الخطة بسبب الافتراضات اليابانية الخاطئة لرد فعل الأمريكيين وترتيبات البداية السيئة،  بشكل ملحوظ  استطاع فاكو الشفرات الأمريكيين تحديد تاريخ وموقع الهجوم، مما أتاح لهم تحذير البحرية الأمريكية لتجهيز كمين لهم. غرقت أربع حاملات طائرات وسفينة حربية(بارجة) ثقيلة يابانية مقابل حاملة طائرات وسفينة مدمّرة أمريكية. بعد معركة ميدواي، والاستنزاف المنهك لحملة جزر سليمان، لم يكن باستطاعة برامج بناء السفن وتدريب الطيارين اليابانية أن تستمر بنفس السرعة في تعويض خسائرها، بينما استطاعت الولايات المتحدة بثبات أن تزيد من إنتاجها في كلا المجالين.

كان مقصد العمليات اليابانية، هو سحق الولايات المتحدة كقوة استراتيجية في المحيط الهادئ، لإعطاء اليابان الحرية لكي تؤسس مجالاً مشتركاً أكبر في شرق آسيا، أمل اليابانيون بأن تُمنى الولايات المتحدة بهزيمة أخرى محبطة فتُرغمهم على الاستسلام في حرب المحيط الهادئ. 


كانت خطة اليابانيين أن يغروا الطائرات الأمريكية بسحبهم إلى الفخ، وإلى احتلال جزيرة ميداوي كجزء من الخطة الشاملة لتمديد دفاعهم رداً على غارة دوليتل ، أعيقت الخطة بسبب الافتراضات اليابانية الخاطئة لرد فعل الأمريكيين وترتيبات البداية السيئة، فقد استطاع فاكو الشفرات الأمريكيين تحديد تاريخ وموقع الهجوم، مما أتاح لهم تحذير البحرية الأمريكية لتجهيز كمين لهم.


تمكن فريق من الاستخبارات الأمريكية بقيادة الشاب الملازم أول جوزف روشفرت من كسر شفرة البحرية اليابانية 25GN، كان الاهتمام الوحيد لهذا الفريق هو حل الترميز الخاص بالأدميرال الياباني ياماموتو، للتمكن من قراءة رسائله اللاسلكية قبل أن يقوم بالهجوم، أيقن فريق الاستخبارات الأمريكي أن اليابانيين يحضرون لهجوم، ولكن من غير معرفة أين ومتى سيتم ذلك، حيث يعتبر ياماموتو سيد المفاجآت ويفكر في تدمير سفن وطائرات الأدميرال نيمتز بوابل من النيران خلال معركة حاسمة، تضم قوة ميدواي عناصر هامة في الأسطول الياباني، حيث قام ياماموتو بجمع قوة بحرية مروعة، في عدادها 11 سفينة حربية وأربع حاملات طائرات يجعلها تتفوق عددياً على قوة الولايات المتحدة البحرية، حدد رجال روشفرت بأن نظام الترميز 25GN الياباني يشير إلى المنطقة والمكان بإستعمال حرف من الأبجدية، المعلومات الأخيرة التي استطاعوا اعتراضها هي التردد الحرفي AF التي تشير بالتأكيد إلى هدف ياماموتو التالي.


 إن التنافس الشديد بين واشنطن وهاواي يصيب الأدميرال نميتز بالإحباط، مما يدفعه بعد قراءة التقارير المتضاربة إلى الضغط على روشفرت لتأكيد معلومات محطة هايتو بالوقائع، عندها تخطر لفريق روشفرت خطة لتحديد موقع AF، يرسلون رسالة لاسلكية واضحة تشير إلى نقص حاد في المياه على جزيرة ميدواي، فيبتلع اليابانيون الطعم، ويرسل جهاز الاستخبارات تقارير بأن جزيرة AF تنقصها المياه العذبة، فيؤكد ذلك أن AF هي جزيرة ميدواي، يقتنع الأدميرال نيمتز بأن روشفرت هو على صواب ويمنح ثقته الكاملة لفريق هايتو الذي يركز جهوده على معرفة تاريخ الهجوم، بعد مجهود بشري كبير يتوصل محللو الرموز الأدميرال نميتز بأن الهجوم سيكون في 4/6/1942، ويضع نميتز خطةً ذكيةً تعتمد على عنصر المفاجأة، فيوزع حاملات الطائرات الثلاث المتبقية لديه حول جزيرة ميدواي بعيداً عن نظر الطائرات اليابانية الاستطلاعية ويحرص نميتز على وضع حاملات طائراته في موقع لا يتوقع اليابانيون وجودها فيه.


في ربيع عام 1942 كانت الانتصارات اليابانية من القوة والامتداد بحيث أن شيئاً لم يعد قادراً على إيقافها أبداً، وكانت القوات البحرية اليابانية ذات شهرة عظيمة وتملك العديد من الآليات والقطع الحربية المختلفة، وكانت أحد أهم مصادر التهديد والخطر على المستعمرات الأوروبية وخاصة البريطانية المنتشرة في جنوب شرق قارة آسيا، وزادت خطورة الانتشار الياباني حتى أصبحت تشكل قلقاً كبيراً لدى الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تتمنى ألا تدخل في نزاع أو معركة مع اليابان.


معركة ميدواي هي تكملة لسلسلة من المعارك السابقة، فقد هاجم اليابانيون الفلبين التي تعتبر ذات شأن كبير لهم، وكلف الأسطول الثالث الياباني بقيادة تاكا هاشو، وكذلك الجيش 14 بقيادة هاووما بتنفيذ هذه العملية وتم القضاء على معظم القوات الأمريكية فيها، ثم بعد ذلك توالت الانتصارات اليابانية وتم الاستيلاء على هونغ كونغ وطرد البريطانيين منها، والاستيلاء على ماليزيا وجزء كبير من سنغافورة، ثم واصلت اليابان معاركها البحرية وهاجمت قاعدة أمريكية كبيرة في ميناء بيرل هاربر في المحيط الباسيفيكي وكانت أكبر صدمة  تتلقاها القوات الأمريكية بأن وصل اليابانيون بهذا المستوى على الرغم من توفر المعلومات الاستخبارية بأن اليابانيون قادمون لتدمير القوات بهذه القاعدة وهناك أوامر بالاستعداد والتعامل معهم.


أحرزت اليابان أهدافها الاستراتيجية الأولية بسرعة، باستيلائها على الفلبين، وماليزيا، وسنغافورة، وجزر الهند الشرقية الهولندية (الآن إندونيسيا)، مع مواردها النفطية الحيوية، وكانت الأخيرة -أي إندونيسيا- ذا أهمية خاصة لليابان. بسبب هذا، بدأ التخطيط الأولي للمرحلة الثانية من العمليات في وقت مبكر من يناير 1942 إلا أنه كانت هناك خلافات استراتيجية بين الجيش الامبراطوري والبحرية الملكية، ونزاع داخلي بين المقر العام للبحرية وأسطول الأدميرال ياماموتو إسوروكو المتحد، بحيث لم تشكل استراتيجية تابعة حتى أبريل 1942. أخيرا، نجح الأدميرال ياماموتو في التغلب بفضل كفاح بيروقراطي، وذلك بتهديد خفي بالاستقالة، وبعد ذلك تم تبني خطته "سنترال باسيفك".


كان هدف ياماموتو الاستراتيجي الأولي هو القضاء على حاملات الطائرات الأمريكية، وهو ما نظر إليه على أنه التهديد الرئيسي لحملة المحيط الهادئ بشكل عام وتفاقم هذا القلق بشكل حاد من قبل غارة دوليتل (18 أبريل 1942) التي أُطلقت فيها طائرات السلاح الجوي الأمريكي ميتشلز B-25 من سفينة (حاملة الطائرات) هورنيت الأمريكية والتي قامت بقصف الأهداف في طوكيو وعدة مدن يابانية أخرى. في حين كانت الغارة مستهانٌ بها عسكريًا، فقد شكلت صدمة نفسية شديدة على اليابانيين ودلت على وجود فجوة في الدفاعات حول الجزر اليابانية الرئيسية. رأى ياماموتو أن هجوماً آخر على القاعدة الرئيسية الأمريكية المتمركزة في بيرل هاربور سيحث الأسطول الأمريكي كله على الإبحار والقتال، بضمن ذلك الحاملات؛ ولكن عند الأخذ بقوة وصلابة القوات الجوية المتواجدة في هاواي بالاعتبار، قرر ياماموتو أنه لا يمكن أن يهاجم بيرل هاربور مباشرة. بدلاً من ذلك، اختار ميدواي، في أقصى الشمال الغربي من جزيرة هاواي، تبعد حوالي 2100 كيلومتر من أواهو. لم تكن مدواي مهمة بشكل خاص في الخطة الأكبر لنوايا اليابان، ولكن اليابانيين أحسوا بأن الأمريكيين سيعتبرون ميدواي موقعاً حيوياً بالنسبة إلى بيرل هاربور وبالتالي سيقومون بالدفاع عنها وبقوة. وفي الواقع اعتبرت الولايات المتحدة ميدواي مهمة؛ فقد تم إنشاء قاعدة غواصات أمريكية في ميدواي بعد المعركة لتتمكن الغواصات العاملة من بيرل هاربور من التزود بالوقود والمعدات. 


كانت خطة ياماموتو للمعركة معقدةً إلى حدٍ بعيد، وكان  تصميم المعركة مبيناً على معلومات استخباراتية متفائلة أشارت إلى أن حاملتا الطائرات (USS Enterprise و USS Hornet) والتي تشكل قوة المهمات 16 هي الحاملات الوحيدة المتوفرة لأسطول البحرية الأمريكية في المحيط الهادي. في مايو عام 1942 وخلال معركة المرجان، أُغرقت سفينة الولايات المتحدة الحاملة لكسنجتون وتعرضت الحاملة يوركتاون لأضرار فادحة جعلت اليابانيين يعتقدون بغرقها أيضاً. كما أدركت اليابان أن سفينة الولايات المتحدة الحاملة ساراتوجا كانت تخضع لتصليحات على الساحل الغربي بعد تعرضها لإصابة طوربيد من غواصة.


إلا أن الأكثر أهمية كان اعتقاد ياماماتو بأن الأمريكين قد أصيبوا بإحباط في معنوياتهم جراء الهزائم المتكررة التي تعرضوا لها وشعر ياماماتو بأن الأمر يتطلب خداع الأسطوال الأمريكي وجره بشكل مهلك نحو حالة غير متكافئة.


الهجمات الجوية الأولية كانت نتائجها  لم تكن أية قطعة بحرية يابانية أصيبت، في الوقت الذي دمرت فيه معظم الطائرات الأمريكية في قاعدة ميدواي الجوية أو أصيبت أو تضررت سواء من جراء قصف اليابانيين لأرض المطار أو من خلال المعارك الجوية العنيفة. في حين لم يُشرك الأدميرال ناكومو أكثر من ثلث طائرات قوته الضاربة، وعندما قدر الموقف أبرق إلى قائده الأعلى الأدميرال ياماموتو الرسالة التاريخية: "لقد أصبحنا سادة الجو في المحيط الهادي"، حيث كان على قناعة تامة بأن الطائرات الموجودة في قاعدة ميدواي هي التي يمتلكها الأمريكيون فقط.

و لكن لم يلبث ذلك الانتصار الا شىء قليل حتى  أطلقت مكبرات الصوت إنذاراً بقدوم طائرات أمريكية كانت في مجموعات كبيرة من طائرات دانتلس الهجومية الأمريكية متجهة نحو حاملات الطائرات اليابانية، وفي خلال خمس دقائق فقط بين الساعة 10:24 وحتى 10:29 استطاعت إصابة ثلاث منها: كاغا، أكاغي، سوريو بالقنابل في أماكن حساسة أدت إلى اشتعال النيران فيها واحتراق طائراتها وانفجار مستودعاتها شيئاً فشيئاً. فكانت خمس دقائق من صباح يوم 4 يونيو 1942 كافية لتحويل النصر الياباني الكبير الذي رفرفت رايته منذ الفجر وحتى الساعة 10:24 إلى كارثة غيرت ميزان القوى البحري في المحيط الهادي لصالح الولايات المتحدة.

بقيت لدى الأمريكيين حاملتا طائرات، ولكن على متنها ما مجموعه 24 طائرة هجومية فقط، وهي كل ما سلمت من مجموع 210 طائرة متنوعة، ففي الساعة 17:00 أصدر الأدميرال فليتشر بإطلاقها نحو الحاملة اليابانية هيريو التي كان عليها أن تدافع عن نفسها بمدفعيتها فقط حيث لم تبق لديها كما سبق ذكره أية طائرة مقاتلة، ولكن المدفعية دون طائرات لم تكن فاعلة بدرجة كافية لتستطيع منع اقتراب طائرات هجومية من الحاملة التي أصيبت بالساعة 18:03 بأربع قنابل مؤججة فيها النيران، في حين أبرق فليتشر إلى قائده الأعلى نيميتز تقرير النصر النهائي: "لقد غدوت سيّد الجو في المحيط الهادي".


أظهرت المعركة أهمية الإعداد والتدريب في مجال فك الشفرة البحرية في فترة قبل الحرب، كما تعتبر معركة ميدواي التي دارت في المنطقة المحيطة لجزيرة ميدواي نفسها خلال نهار واحد من المعارك الفاصلة والحاسمة وقد غيرت وجه تاريخ الحرب في المحيط الهادي بين أسطولين ضخمين عدداً وعدة، وتمخضت نتائجها في تغيير ميزان القوى الجوي/ البحري خلال سنتي الحرب التي تواصلت بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، وانتهت هذه الحرب البحرية الشهيرة في التاريخ بهزيمة اليابان، فقد خسر اليابانيون فيها 3500 رجل و4 حاملة طائرات وسفينة مقاتلة و332 طائرة ونسبة عالية جداً من أمهر وأجدر الطيارين، أما أمريكا فقد خسرت 307 رجل وحاملة طائرات واحدة، بالإضافة إلى 220 طائرة، لكنهم بدأوا يشعرون بالاعتزاز إذ أن معركة ميدواي غيرت من مسار الحرب في المحيط الهادي.


0 التعليقات :

إرسال تعليق